كان الجيش العثماني وبالا على مصر ، أشعل فيها الفتن ودارت بين طوائفه الحروب واشتد ظلم قادته للمصريين، واعتدوا على حرمة دور العبادة، فكانت فتنة معركة احتلال المساجد واحدة من تلك المصائب في التاريخ.
يقول الكاتب إيهاب الحضري في كتابه " حواديت المآذن .. التاريخ السري للحجارة" : إن معركة احتلال المساجد تعد واحدة من أكبر الفتن، دارت بين طائفتي المماليك المتنازعين: القاسميين والفقاريين. كانت كل منهما مسيطرة على إحدى وحدات الجيش العثماني الرئيسية. الصراع بينهما على السلطة والمصالح الاقتصادية كان قديما، لكنه تفجر فيما يشبه الحرب الأهلية عام 1711. وبعيدا عن أسماء الأمراء الذين قادوا المجموعتين، اختار اثنين فقط من باب التبسيط، هما محمد بك الكبير ومحمد بك الصغير! عندما احتدمت الأزمة استعان الإنكشارية بالأول وكان حاكم جرجا، أما الثانى فكان أحد أمراء العزبان.
وتابع إيهاب الحضري : عند وصوله للقاهرة، أرسل" الكبير" إلى أحد قوّاد فريقه يطلب منه الاستيلاء على مسجد السلطان حسن، ووضع بعض القوات فيه، لكن معسكر العُزبان المضاد أمسك برسوله وعلم بمضمون الرسالة، فسارع" الصغير" واحتله بواسطة ثلاثمائة رجل، ليصبح موقعا أساسيا لوحدته، هنا نزل محمد الكبير بجنوده إلى شارع الصليبة وبدأ حصار الأخيرين، لتبدأ منافسة بالغة الغرابة، هدفها هو احتلال المساجد، لا فى محيط القلعة فقط، بل امتدت إلى أحياء بعيدة نسبيا.
ويضيف الحضري: استهدف الإنكشارية المساجد الموجودة فى الدرب الأحمر وباب زويلة، لكن العزبان علموا بالخطة فسارعوا بالاستيلاء على مسجدي الجاي اليوسفي و المارداني، وأهملوا مسجد سودون الذي كان يقع بينهما فاحتله الإنكشارية مع مسجد قجماس الإسحاقي بالدرب الأحمر، وإسكندر بباب الخلق، والمؤيد شيخ بباب زويلة. ومع استمرار المعركة استعاد العزبان مسجدي سودون وقجماس، وسيطروا بعدها على منطقة باب زويلة. وقد شهدت هذه الفتنة ذروة عمليات تحويل الجوامع إلى منصات للمدافع.
وأضاف قائلا : عندما يتحول العنف إلى أسلوب حياة فإنه يمتد لكل الأمور بالتأكيد، وليس عجيبا أن تتحول المساجد إلى حصون حربية، تستخدمها الأطراف المتصارعة كمنصات لإطلاق القذائف، ساعدت في ذلك ضخامتها التى تجعلها أشبه بالقلاع، وكانت المنصة الأكثر استخداما هى مسجد السلطان حسن، الذى يقف فى الميدان الواسع متحديا بشموخه مقر الحكم فى القلعة! ففي عام 1389 نصب البعض أعلاه نموذجا بدائيا من المدافع يُسمى" مكحلة"، وقصفوا أحد أبواب القلعة. ولما تكررت هذه الوقائع أمر السلطان برقوق بهدم السلم المُوصّل إلى سطحه وغلق بابه الرئيسى. وفى عام 1422 أعيد بناء السلم واستئناف الأذان بمئذنتيه وفتح مدخله، ولم يستمر الأمر كثيرا، فقد عاد الأمراء لمهاجمة القلعة منه، مما دعا السلطان قجمق إلى هدم سلالم المآذن، بعد أن انقلب عليه قائد جيشه الأتابكى قرقماس، واحتل المسجد الضخم، وقام بتركيب الأسلحة النارية عليه، وبعد انتصار السلطان أمر السلطان بعقد مجلس حضره القضاة ومشايخ العلم، ودار الحديث حول مئذنتي" السلطان حسن"، وما يتسبب فيه استخدامهما من تهديدات للقلعة، فحكم القاضي المالكي شمس الدين محمد البساطي بهدم سلالم المئذنتين.
وتابع: في عام 1665 فقد مسجد المؤيد شيخ الكثير من عمارته الأصلية، وتروي القصة التاريخية أن بعض الطغاة من طائفة تدعى الزُرب تحصنوا به، واستفتى عمر باشا حاكم مصر وقتها العلماء، فأجازوا له ضربه وإعادة بناء ما يتهدم منه. على الفور أمر الوالي العثماني عساكره بالزحف عليهم ومعهم 12 مدفعا، وبدأوا قصفهم حتى استسلموا، وتم إعدامهم ومصادرة أموالهم.
المصدر : صدي البلد