يحظى الفنان التشكيلي الإيطالي رفائيلو سانزيو دا أوربينو، المعروف بإسم "رفائيل"، والذي تحل اليوم ذكرى رحيله، بالإعجاب لما يتمتع به من وضوح في الشكل وسهولة في التكوين وإنجاز مرئي للأفلاطونية الحديثة التي تمثل عظمة الإنسان، ويشكل كل من رفائيل ومايكل أنجلو وليوناردو دافينشي ثالوثًا تقليديًا للأساتذة العظماء في تلك الفترة.
وكان رافائيل منتجًا إلى حد هائل، إذ تولى إدارة ورشة عمل ضخمة، ورغم وفاته المبكرة في السابعة والثلاثين من العمر، إلا أنه ترك مجموعة كبيرة من الأعمال، ويوجد العديد من أعماله في قصر الفاتيكان، إذ كانت غرف رافائيل ذات اللوحات الجصية هي العمل المركزي الأكبر في حياته المهنية.
ومن أشهر أعماله مدرسة "أثينا في غرف رفائيل في الفاتيكان"، بعد أعوامه الأولى في روما، ونفذت ورشة عمله الكثير من رسوماته، مع خسارة كبيرة في الجودة، وكان مؤثرًا للغاية في حياته، على الرغم من أن عمله خارج روما كان معروفًا في الأغلب من طباعاته المشتركة.
وعاش رفائيل حياةً "بدوية"، وعمل في عدة مراكز في شمال إيطاليا، لكنه قضى وقتًا طويلًا في فلورنسا، انطلاقًا من عام 1504 حسب ما تشير بعض التقديرات، وتبقى إقامته في فلورنسا بشكل مستمر غير مؤكدة على الرغم من الإشارة بصورة تقليدية إلى وجود "فترة فلورنتينية" نحو 1504-1508.
ويُحتمل أنه احتاج زيارة المدينة لتأمين المواد في أي حال من الأحوال، وتوجد رسالة توصية برفائيل، بتاريخ أكتوبر 1504، كتبتها والدة دوق أوربينو التالي إلى غونفالونير فلورنسا: "سيتضح أن حامل هذه الرسالة هو رفائيل، وهو رسام من أوربينو قرر قضاء بعض الوقت في فلورنسا بهدف الدراسة بسبب امتلاكه موهبةً كبيرةً في مهنته، وبسبب امتلاك والده الذي تعلقت به كثيرًا مكانةً عالية، ولأن ابنه رفائيل شاب لبيب ذو أخلاق جيدة، وفي الحالتين، أحمل له حبًا كبيرًا".
ومثلما كان الحال سابقًا مع بيروجينو وآخرين، كان رفائيل قادرًا على استيعاب تأثير الفن الفلورنسي مع الحفاظ على أسلوبه الخاص في التطور، ويُظهر التصوير الجصي في بيروجيا قرابة عام 1505 جودةً هائلةً مبتكرةً في الأعمال التي قد تجسد تأثير فرا بارتولوميو، الذي يقول فازاري إنه كان صديقًا لرفائيل.
ويُنسب التأثير الأبرز في أعمال هذه الفترة إلى ليوناردو دافنشي، الذي عاد إلى المدينة في الفترة بين 1500 و1506، وبدأت رسومات رفائيل للجسد البشري تأخذ أشكالا أكثر ديناميكيةً وتعقيدًا، وعلى الرغم من بقاء موضوعاته المرسومة ساكنةً في الغالب، فقد أجرى دراسات فنية على رجال عراة وهم يتعاركون، وهذا ما اعتُبر أحد هواجس تلك الفترة في فلورنسا.
وتضم أعماله أيضًا صورةً لامرأة شابة استخدم في رسمها أسلوب التشكيل الهرمي بنسبة 3/4 بطريقة مشابهة لما استُخدم في الموناليزا المنجزة حديثًا وقتها، لكنها حافظت مع ذلك على أسلوب رفائيل.
وتكررت مجموعة أخرى من ابتكارات ليوناردو التشكيلية، وهي العائلة المقدسة ذات الأسلوب الهرمي، في سلسلة من أعمال رفائيل التي ما تزال من أشهر لوحاته متوسطة الحجم المرسومة على حامل، وتوجد لوحة لرفائيل في المجموعة الملكية مستوحاة من لوحة ليوناردو ليدا والبجعة، التي عدّل من خلالها وضعية التعارض في عمله القديسة كاترين في الإسكندرية.
وأتقن رفائيل نسخته الخاصة من تقنية سفوماتو التي استخدمها ليوناردو، ليضفي مزيدًا من الدقة على رسوماته الخاصة بالجسد، ويطور الاستجابة اللمحية بين مجموعاته، التي كانت أقل غموضًا بكثير من مجموعات ليوناردو، مع احتفاظه بالضوء الخفيف الواضح الموجود في أعمال بيروجينو.
وكبر ليوناردو رفائيل بأكثر من ثلاثين عامًا، وزاده مايكل أنجلو، الذي وُجد في روما في تلك الفترة، بثماني سنوات، وكره مايكل أنجلو ليوناردو بالفعل، وكره رفائيل في روما بدرجة أكبر، ناسبًا مؤامرات حيكت ضده إلى الرجل الأصغر سنًا.
وأدرك رفائيل تأثر أعماله بفلورنسا، ولكنه انطلق في اتجاه مختلف في أكثر أعماله ابتكارًا خلال هذه السنوات، واعتمد عمله بعنوان تجلي السيد المسيح على الناووس الكلاسيكي لتوزيع الشخصيات في مقدمة الصورة في ترتيب معقد غير ناجح كليًا.
وقام رفائيل بإنجاز أجزاء العديدة من اللوحات الجِصيّة "الجِدارية" في غرف الفاتيكان مثل مدرسة آثينا؛ هيليودوري "كاتب إغريقي قديم" يطرد من المعبد؛ الاحتفاء بالقربان المقدس؛ بارناس في الميتولوجيا الإغريقية هو جبل الحوريات الخاص بالإله أبولو وغيرها، وتعود أكثرها إلى الفترة 1509 – 1514، كما أشرف شخصيا على تنفيذ بقية أعمال التزيين، والتي قام بها مجموعة من تلامذته، بالإضافة إلى تنفيذ مجموعة من الصور على الورق المقوى، تم عن طريقها إنجاز المنسوجات الخاصة بالكنيسة السكستية نسبة إلى البابا سكست الرابع، 1471 – 1484: "شهادة الحواريين".
المصدر : صدي البلد